فصل: من فوائد الشعراوي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فأي مبتدأ و{أَكْبَرَ} خبره و{شَهَادَةً} تمييز.
والشيء في اللغة ما يصح أن يعلم ويخبر عنه، فقد ذكر سيبويه في الباب المترجم بباب مجاري أواخر الكلم وإنما يخرج التأنيث من التذكير ألا ترى أن الشيء يقع على كل ما أخبر عنه من قبل أن يعلم أذكر هو أم أنثى والشيء مذكر انتهى.
وهل يطلق على الله تعالى أم لا؟ فيه خلاف فمذهب الجمهور أنه يطلق عليه سبحانه فقال: شيء لا كالأشياء واستدلوا على ذلك بالسؤال والجواب الواقعين في هذه الآية وبقوله سبحانه: {كُلُّ شيء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص: 88] حيث إنه استثنى من كل شيء الوجه وهو بمعنى الذات عندهم وبأنه أعم الألفاظ فيشمل الواجب والممكن.
ونقل الإمام أن جهمًا أنكر صحة الإطلاق محتجًا بقوله تعالى: {وَللَّهِ الأسماء الحسنى} [الأعراف: 180] فقال: لا يطلق عليه سبحانه إلا ما يدل على صفة من صفات الكمال والشيء ليس كذلك، وفي المواقف وشرحه الشيء عند الأشاعرة يطلق على الموجود فقط فكل شيء عندهم موجود وكل موجود شيء، ثم سيق فيهما مذاهب الناس فيه ثم قيل: والنزاع لفظي متعلق بلفظ الشيء وأنه على ماذا يطلق، والحق ما ساعد عليه اللغة والنقل إذ لا مجال للعقل في إثبات اللغات.
والظاهر معنا فأهل اللغة في كل عصر يطلقون لفظ الشيء على الموجود حتى لو قيل عندهم الموجود شيء تلقوه بالقبول، ولو قيل: ليس بيء تلقوه بالإنكار.
ونحو قوله سبحانه: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} بنفي إطلاقه بطريق الحقيقة على المعدوم لأن الحقيقة لا يصح فيها انتهى.
وفي شرح المقاصد أن البحث في أن المعدوم شيء حقيقة أم لا لغوي يرجع فيه إلى النقل والاستعمال وقد وقع فيه اختلافات نظرًا إلى الاستعمالات.
فعندنا هو اسم للموجود لما نجده شائع الاستعمال في هذا المعنى ولا نزاع في استعماله في المعدوم مجازًا ثم قال: وما نقل عن أبي العباس أنه اسم للقديم وعن الجهيمة أنه اسم للحادث، وعن هشام أنه اسم للجسم فبعيد جدًا من جهة أنه لا يقبله أهل اللغة انتهى.
وفي ذلك كله بحث فإن دعوى الأشاعرة التساوي بين الشيء والموجود لغة أو الترادف كما يفهم مما تقدم من الكليتين ليس لها دليل يعول عليه.
وقوله: إن أهل اللغة في كل عصر إلخ إنما يدل على أن كل موجود شيء، وأما أن كل ما يطلق عليه لفظ الشيء حقيقة لغوية موجود فلا دلالة فيه عليه إذ لا يلزم من أن يطلق على الموجود لفظ شيء دون لا شيء أن يختص الشيء لغة بالموجود لجواز أن يطلق الشيء على المعدوم والموجود حقيقة لغوية مع اختصاص الموجود بإطلاق الشيء دون اللاشيء.
وإنكار أهل اللغة على من يقول: الموجود ليس بشيء لكونه سلبًا للأعم عن الأخص وهو لا يصح لا لكونهما مترادفين أو متساويين.
وقد أطلق على المعدوم الخارجي كتابًا وسنة فقد قال الله تعالى: {وَلاَ تَقْولَنَّ لِشيء إِنّى فَاعِلٌ ذلك غَدًا إِلاَّ أَن يَشَاء الله} [الكهف: 23، 24] وقال سبحانه: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشيء إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40].
وأخرج الطبراني عن أم سلمة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سأله رجل فقال: «إني لأحدث نفسي بالشيء لو تكلمت به لأحبطت أجري يقول: لا يلقى ذلك الكلام إلا مؤمن» ونحوه عن معاذ بن جبل والأصل في الإطلاق الحقيقة فلا يعدل عنها إلا إذا وجد صارف وشيوع الاستعمال لا يصلح أن يكون صارفًا بعد صحة النقل عن سيبويه.
ولعل سبب ذلك الشيوع أن تعلق الغرض في المحاورات بأحوال الموجودات أكثر لا لاختصاص الشيء بالموجود لغة.
وقوله تعالى: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} [مريم: 9] إنما يلزم منه نفي إطلاقه بطريق الحقيقة على المعدوم وهو يضرنا لو كان المدعى تخصيص إطلاق الشيء لغة بالمعدوم وليس كذلك، فإن التحقيق عندنا أن الشيء بمعنى المشيء العلم به والإخبار عنه وهو مفهوم كلي يصدق على الموجود والمعدوم الواجب والممكن وتخصيص إطلاقه ببعض أفراده عند قيام قرينة لا ينافي شموله لجميع أفراده حقيقة لغوية عند انتفاء قرينة مخصصة وإلا لكان شموله للمعدوم والموجود معًا في قوله تعالى: {والله بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ} [الحجرات: 16] جمعًا بين الحقيقة والمجاز وهي مسألة خلافية ولا خلاف في الاستدلال على عموم تعلق علمه تعالى بالأشياء مطلقًا بهذه الآية فهو دليل على أن شموله للمعدوم والموجود معًا حقيقة لغوية، وذكر بعض الأجلة بعد زعمه اختصاص الشيء بالموجود أنه في الأصل مصدر استعمل بمعنى شاء أو مشيء فإن كان بمعنى شاء صح إطلاقه عليه تعالى وإلا فلا وأنت تعلم أنه على ما ذكرنا من التحقيق لا مانع من إطلاق الشيء عليه تعالى من غير حاجة إلى هذا التفصيل لأنه بمعنى المشيء العلم به والإخبار عنه فيكون إطلاق الشيء بهذا المعنى عليه عز وجل كإطلاق المعلوم مثلًا، ومعنى {أَكْبَرُ شهادة} أعظم وأصدق.
{قُلِ الله} أمر له صلى الله عليه وسلم أن يتولى الجواب بنفسه هو عليه الصلاة والسلام لما مر قريبًا.
والاسم الجليل مبتدأ محذوف الخبر أي الله أكبر شهادة، وجوز العكس.
ومذهب سيبويه أنه إذا كانت النكرة اسم استفهام أو أفعل تفضيل تقع مبتدأ يخبر عنه بمعرفة، وقوله سبحانه: {شَهِيدٌ} خبر مبتدأ محذوف أي هو سبحانه شهيد {بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ} فهو ابتداء كلام، وجوز أن يكون خبر {الله} والمجموع على ما ذهب إليه الزمخشري هو الجواب لدلالته على أن الله عز وجل إذا كان هو الشهيد بينه وبينهم فأكبر شيء شهادة شهيد له، ونقل في الكشف أنه إن جعل تمام الجواب عند قوله سبحانه: {الله} فهو للتسلق من إثبات التوحيد إلى إثبات النبوة بأن هذا الشاهد الذي لا أصدق منه شهد لي بإيحاء هذا القرآن.
وإن جعل الكلام بمجموعه الجواب فهو من الأسلوب الحكيم لأن الوهم لا يذهب إلى أن هذا الشاهد يحتمل أن يكون غيره تعالى بل الكلام في أنه يشهد لنبوته أولًا فليفهم.
{وَأُوحِىَ إِلَىَّ} من قبله تعالى: {هذا القرءان} العظيم الشاهد بصحة رسالتي {لاِنذِرَكُمْ بِهِ} بما فيه من الوعيد.
واكتفى بذكر الإنذار عن ذكر البشارة لأنه المناسب للمقام، وقيل: إن الكلام مع الكفار وليس فيهم من يبشر.
وفي الدر المصون أن الكلام على حد {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر} [النحل: 81] {وَمَن بَلَغَ} عطف على ضمير المخاطبين أي لأنذركم به يا أهل مكة وسائر من بلغه القرآن ووصل إليه من الأسود والأحمر أو من الثقلين أو لأنذركم به أيها الموجودون ومن سيوجد إلى يوم القيامة.
قال ابن جرير: من بلغه القرآن فكأنما رأى محمدًا صلى الله عليه وسلم.
وأخرج أبو نعيم وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من بلغه القرآن فكأنما شافهته» واستدل بالآية على أن أحكام القرآن تعم الموجودين يوم نزوله ومن سيوجد بعد إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.
واختلف في ذلك هو بطريق العبارة في الكل أو بالإجماع في غير الموجودين وفي غير المكلفين.
فذهب الحنابلة إلى الأول والحنفية إلى الثاني وتحقيقه في الأصول.
وعلى أن من لم يبلغه القرآن غير مؤاخذ بترك الأحكام الشرعية، ويؤيده ما أخرجه أبو الشيخ عن أبي بن كعب قال: «أُتِي رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسارى فقال لهم: هل دعيتم إلى الإسلام؟ فقالوا: لا فخلى سبيلهم ثم قرأ {وَأُوحِىَ إلى} الآية».
وهو مبني على القول بالمفهوم كما ذهب إليه الشافعية، واعترض بأنه لا دلالة للآية على ذلك بوجه من الوجوه لأن مفهومها انتفاء الإنذار بالقرآن عمن لم يبلغه وذلك ليس عين انتفاء المؤاخذة وهو ظاهر ولا مستلزمًا له خصوصًا عند القائلين بالحسن والقبح العقليين إلا أن يلاحظ قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] وفيه أن عدم استلزام انتفاء الإنذار بالقرآن لانتفاء المؤاخذة ممنوع، والحسن والقبح العقليان قد طوي بساط ردهما، وجوز أن يكون {مِنْ} عطفًا على الفاعل المستتر في {أنذركم} للفصل بالمفعول أي لأنذركم أنا بالقرآن وينذركم به من بلغه القرآن أيضًا، وروى الطبرسي ما يقتضيه عن العياشي عن أبي جعفر وأبي عبد الله رضي الله تعالى عنهما ولايخفى أنه خلاف المنساق إلى الذهن.
{أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ الله ءالِهَةً أخرى} جملة مستأنفة أو مندرجة في القول، والاستفهام للتقرير أو للإنكار، وقيل: لهما، وفيه جمع بين المعاني المجازية و{أخرى} صفة لآلهة.
وصفة جمع ما لا يعقل كما قال أبو حيان كصفة الواحدة المؤنثة نحو {مَأَرِبُ أخرى} [طه: 18] {وَللَّهِ الأسماء الحسنى} [الأعراف: 180] ولما كانت الآلهة حجارة وخشبًا مثلًا أجريت هذا المجرى تحقيرًا لها {قُلْ} لهم {لاَّ أَشْهَدُ} بذلك وإن شهدتم به فإنه باطل صرف.
{قُلْ} تكرير للأمر للتأكيد {إِنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ} أي بل إنما أشهد أنه تعالى لا إله إلا هو.
و(ما) كافة.
وجوز أبو البقاء وزعم أنه الأليق بما قبله كونها موصولة ويبعده كونها موصولة وعليه يكون {واحد} خبرًا وهو خلاف الظاهر.
{وَإِنَّنِى بَرِيء مّمَّا تُشْرِكُونَ} من الأصنام أو من إشراككم. اهـ.

.من فوائد السعدي في الآية:

قال رحمه الله:
{قُلْ} لهم- لما بينا لهم الهدى، وأوضحنا لهم المسالك: {أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً} على هذا الأصل العظيم. {قُلِ اللَّهُ} أكبر شهادة، فهو {شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} فلا أعظم منه شهادة، ولا أكبر، وهو يشهد لي بإقراره وفعله، فيقرني على ما قلت لكم، كما قال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} فالله حكيم قدير فلا يليق بحكمته وقدرته أن يقر كاذبا عليه زاعما أن الله أرسله ولم يرسله وأن الله أمره بدعوة الخلق ولم يأمره وأن الله أباح له دماء من خالفه وأموالهم ونساءهم وهو مع ذلك يصدقه بإقراره وبفعله فيؤيده على ما قال بالمعجزات الباهرة والآيات الظاهرة وينصره ويخذل من خالفه وعاداه فأي شهادة أكبر من هذه الشهادة؟
وقوله: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} أي وأوحى الله إليَّ هذا القرآن الكريم لمنفعتكم ومصلحتكم لأنذركم به من العقاب الأليم والنذارة إنما تكون بذكر ما ينذرهم به من الترغيب والترهيب وببيان الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة التي مَن قام بها فقد قبل النذارة فهذا القرآنفيه النذارة لكم أيها المخاطبون وكل من بلغه القرآن إلى يوم القيامة فإن فيه بيان كل ما يحتاج إليه من المطالب الإلهية.
لما بيّن تعالى شهادته التي هي أكبر الشهادات على توحيده قال قل لهؤلاء المعارضين لخبر الله والمكذبين لرسله {أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ} أي إن شهدوا فلا تشهد معهم.
فوازِنْ بين شهادة أصدق القائلين ورب العالمين وشهادة أزكى الخلق المؤيدة بالبراهين القاطعة والحجج الساطعة على توحيد الله وحده لا شريك له وشهادة أهل الشرك الذين مرجت عقولهم وأديانهم وفسدت آراؤهم وأخلاقهم وأضحكوا على أنفسهم العقلاء.
بل خالفوا بشهادة فطرهم وتناقضت أقوالهم على إثبات أن مع الله آلهة أخرى مع أنه لا يقوم على ما قالوه أدنى شبهة فضلا عن الحجج واختر لنفسك أي الشهادتين إن كنت تعقل ونحن نختار لأنفسنا ما اختاره الله لنبيه الذي أمرنا الله بالاقتداء به فقال: {قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} أي منفرد لا يستحق العبودية والإلهية سواه كما أنه المنفرد بالخلق والتدبير.
{وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} به من الأوثان والأنداد وكل ما أشرك به مع الله فهذا حقيقة التوحيد إثبات الإلهية لله ونفيها عما عداه. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ...} الآية.
لقد اختلف الرسول صلى الله عليه وسلم مع القوم المناوئين له. والاختلاف يتطلب حكمًا وبينة. والشهود هم إحدى البينات، فما بالنا والشاهد هو الله؟! إنه الشاهد والحكم والمنفذ. وشهادة الله لا تحايل فيها، وحكمه لا ظلم فيه، وإرادته لا تظلم عبدًا مثقال ذرة، ولا شهادة- إذن- أكبر من شهادة الحق لرسوله بأنه رسول من الله. ولو شاء الحق لجعلكم كلكم مؤمنين، لكنه أراد للإنسان الاختيار. وحنان الرسول صلى الله عليه وسلم على البشر هو الذي جعله يتمنى إيمانهم، لكن الحق يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السماء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 3- 4].
أي أن الحق يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يشفق على نفسه وألاّ يقتلها بالحزن عليهم لعنادهم وعدم إيمانهم. ولو أراد الحق لجعلهم جميعًا مؤمنين بآية منه؛ فمهمة الرسول هي البلاغ فقط. ولو شاء الحق لقهر الخلق جميعًا على الإيمان به كما سخّر الكون ليخدم الإنسان وليسبح الكون بحمد الله. لكنه سبحانه ترك للخلق الاختيار حتى يأتي إيمانهم مثبتًا صفة المحبوبية لله؛ لأن إيمان المختار هو الذي يثبت تلك المحبوبية. والرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو نذير وبشير بهذا القرآن المُنزَّل عليه بالوحي.
والنذارة تأتي هنا لأن المجال مجال شهادة؛ لأن الشهادة إنما تكون على خلاف، فهو صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإيمان، والمناوئون له يدعون إلى الكفر وإلى الشرك، وشهادة الله أكبر من كل شهادة أخرى. لذلك يقرر الحق هنا بأن الرسول نذير بالقرآن. وهذا خطاب موجه لتبليغ المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولَمن وصله بعد ذلك أي شيء من القرآن، فكأنه قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ووصله البلاغ عنه. فقد قال سبحانه: {وَمَن بَلَغَ} أي لأنذركم به وأنذر كل من بلغه القرآن من البشر جميعًا.
ويوجه الحق على لسان رسوله سؤالًا استنكاريًا للمناوئين فيقول: {أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ الله آلِهَةً أخرى}. إنه سؤال من سائل يثق أن من يسمع سؤاله لابد أن ينفي وجود آلهة أخرى غير الله. إنه سؤال يستنبط الإقرار من سامعه. والمثال على هذا ما عرضه الحق على رسوله من أمر قد حدث في عام ميلاده فيقول: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفيل} [الفيل: 1].